أبحث عن شريكة حياتي بجد وقوة ولم أوفق حتى الآن!

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة لكم، وأشكركم على تعاملكم الطيب.

أنا شاب مغترب في الخليج منذ سبع سنوات، أبلغ من العمر 33 سنة، أبحث عن شريكة حياتي بجد وقوة ولم أوفق حتى الآن، وأغلب الأسر يرفضون طلبي إما بسبب اختلاف الجنسية، أو بسبب الوضع المادي، أو المهر، وعند البعض بسبب الالتزام بالدين، أو لأنني مساعد مهندس وهم يريدون وضعا أكاديميا أعلى، لا أستطيع أن أحكم بالتحديد لأن هذا ما بدا علي من تعاملهم، والأمر بيد الله، ودائما أدعو أن يعوضهم الله خيرا مني، ويعوضني الله خيرا منهم.

أتمنى أن لا أكون أطلت عليكم، أقولها وبثقة أنني -الحمد لله- ملتزم، وأخاف الله، وأريد فتاة تخاف الله بي، وأشعر بالأسى وأواسي نفسي وأقول هو أمر الله، عندما أجد الفتاة وأحس أنها ما أبحث عنه أقابل بالرفض أو عدم الرد، ولو حاولت الاتصال بالهاتف أو الوسيط فلهم عاداتهم في الرد سواء بالرسالة، أو تجاهلي، وهذا الأمر صعب، ويجعلني في حيرة.

تعرفت على شخص متدين، وعرفته على والدي، وأوصاه والدي لكوني وحيدا في غربتي أن يجد لي زوجة مناسبة، وولاه والدي بالنيابة عنه، لأن والدي ووالدتي عادوا إلى البلاد وتركوا الغربة، وبقيت وحدي أبحث ولم أوفق، وهذا الشخص الآن يتابع معي، ويطلب الأجر من الله فقط.

ذهبنا معا إلى جماعة لنخطب منهم، فكانت معاملته معهم غير جيدة، ووضعت بموقف أن الفتاة رفضت أن تخرج للنظرة الشرعية، حزنت كثيرا وأحسست أن ذلك بسبب راتبي، وقال لي الشخص الذي أوصاه والدي لا تحزن؛ فهذا نصيبك، ومن هنا بدأ يفهم ما أعانيه، وقال: لن أتركك حتى تتزوج.

دخلنا بيتا آخر وأعجبت كثيرا بالفتاة، وطلبت مقابلة خاصة بيننا أمام والدها، وسألتني خلالها عن عملي، وشرحت لها أنني موظف في شركة هندسية، واستفسرت هل أقبض مرتبي كل شهر؟ قلت: هناك تأخير وراتبي يساوي كذا (----)، أوضحت لي بأن الحياة صعبة، وهي طموحة جدا، وترغب بإكمال الماجستير، وتركت التدريس وتريد العمل كمترجمة بمكتب، أخبرتها بأنني لا أعارض شيئا، المهم أن يتوافق كل شيء مع علاقتنا بالمستقبل وأسرتنا.

أخبرني والد الفتاة أنه لا يستطيع الضغط عليها، لأنها حساسة جدا، وسوف يرد لينا بعد يومين، أكملنا أربعة أيام دون رد، اتصل الوسيط وقال الأب إن الفتاة غير موافقة، حزنت وبكيت وتألمت، لأنني أحسست بضعفي أمام من تمنيت، وتكلمت مع صديق والد الفتاة المقرب، وكلم الأب وأخبره بأنني شاب جيد ومن عائلة مضمونة وملتزمة ومتدينة، وأنه يعرف أهلي جيدا، فأخبره الأب أنه لا يمانع ولكن الفتاة ترفض، وسيسعى الأب لإقناع ابنته. أكملنا أربعة أيام ولا يوجد أي رد، حزين جدا، وطلب مني الوسيط الانتظار، وأنا قلق، وقدر الله هو المكتوب ولا محالة من الاعتراض.

أرشدوني، فأنا أرفض فكرة الارتباط بسبب تكرار الحالة والألم، هل السبب هو صمتي أثناء النظرة الشرعية؟ ولأن هي من سألتني هل تريد أن تسأل شيئا؟ فأجبت الله يختار الخير، وكنت مرتاحا بعد الاستخارة، والآن منتظر هل أعجبت بي؟ ولماذا طلبت مقابلة ثانية وهي في المقابلة الأولى قالت إنها موافقة؟

وشكرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Path حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تعلم أن قرار الزواج في حياة الإنسان مفصلي وخطير، وله أبعاده وآثاره الاجتماعية والنفسية الدينية والدنيوية في حاضر الإنسان ومستقبله, ولذلك سمى الله الزواج في كتابه الكريم {ميثاقاً غليظا}؛ لتحقيق مقاصد النكاح الشرعية الواردة في قوله تعالى: {أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة}، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فإنه أغضٌ للبصر وأحصن للفرج)، وقوله أيضاً: (تناكحوا تكاثروا -وفي لفظ: تناسلوا- فإني مفاخر بكم الأنبياء يوم القيامة).

ولذلك فقد جعل الشرع الحنيف معيار الزواج الصالح مبنياً على اختيار الزوجة الصالحة (ذات الدين)، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ومالها وحسبها ودينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فالأمور الثلاثة السابقة أمور مطلوبة مرغوبة في العادة, إلا أنه عند التزاحم والتعارض بينها وبين الدين يقدّم معيار الدين كما في نص الحديث, كما أن معيار (الجمال)، مما يعين على تحصيل العفّة كما في الحديث السابق (فإنه أغضٌ للبصر وأحصن للفرج), وقال تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.

من المهم أن تحظى بالنظرة الشرعية لخطيبتك كما أوصى بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه في قوله له: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، وقوله: (انظر إليها, فإن ذلك حري –أي جدير– أن يؤدم بينكما)، أي أحرى أن تدوم المودة والتوفيق والصحبة بينكما, وتكون حالتكما طيبة إذا أقدمت عليها وقد عرفت ملاءمتها ومناسبتها وجمالها وكمالها.

ما ذكرته مما آلمك وأزعجك, وهو يؤلم ويزعج كل العقلاء, من امتناع كثير من الفتيات وأولياء أمورهن عن الزواج لأعذار غير شرعية ولا عقلية ظاهرة مرضية تؤدي إلى فتنة وفساد كبير في انحراف الشباب أخلاقياً، وعنوسة النساء لاستبعاد أولياء الأمور أو الفتيات فكرة الزواج أثناء الدراسة، أو البحث عن عمل بعد التخرج لتأمين المستقبل، أو لانتظار فارس الأحلام كامل المواصفات، أو التشدد في اختيار زوج البنت، كالمبالغة في غلاء المهور وتكاليف الزواج، مع عجز الشباب عنها، أو في طمع الآباء في مرتبات أبنائهم وبناتهم، أو الامتناع عن الزواج بمن كان من خارج المنطقة أو البلاد، أو تقليد الغرب في العزوف عن فكرة الزواج، أو للظروف المادية لدى الشباب، في البطالة، وعدم الوظيفة، وغير ذلك كثير، مما يخالف نصوص الشرع في المبادرة إلى الزواج ومصلحة الشباب في التعفف.

إلا أنك لن تعدم من زوجةٍ صالحةٍ تقرّ بها عينك وتلائم شروطك الصالحة, فما زال في الأمة الكثيرات من الصالحات القانتات ذوات الدين والخلق والجمال أيضاً كما هو الواقع و-الحمد لله-.

أوصيك -أخي العزيز وفقك الله وأعانك- بأن لا تعجل ولا تقلق ولا تيأس ولا تقنط من رحمة الله وقرب تفريجه لهمّك وتيسير أمرك, فليس اليأس والقنوط من صفات المؤمنين الصالحين أمثالك و-الله حسيبك-, قال تعالى: {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}، {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، كما أن التعجّل كثيراً ما يدفع بالإنسان إلى القرار الخاطئ, قال تعالى: {وخلق الإنسان عجولا}.

كثيراً ما نتألم على فوات بعض المصالح أو الوقوع في بعض المكاره, ولا ندري أنه قد يكون "في المحنة منحة"، لقوله تعالى: {لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم}، و"في النعمة نقمة"، لقوله: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذاب عظيم..}، فعلى العبد أن يبذل جهده في تحرّي ما يعتقد أو يغلب على الظن أن فيه الخير, ثم يسلّم الأمور لمقدر الأقدار سبحانه وتعالى, قال جل شأنه: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

ولعلك لو سألت كثيراً ممن سبق له زواج أو طلاق لأبدى لك عن كثير أسفه عن خطئه في استعجاله بقرار الزواج، حيث بنى حكمه وموقفه على قرار مستعجل من غير بحث وسؤال ودراسة.

فاثبت على ما أنت عليه من حسن الظن والثقة بالله, وحسن التوكل عليه والاستعانة به, وتعزيز الثقة بنفسك, والتفاؤل والأمل مهما تعقدت الأمور أو طالت، لقوله: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا}، وفي الحديث: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا : كان كذا وكذا, ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل)، [رواه مسلم].

استمد عون الله وفرجه بتقواه والتوكل عليه، {ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيءٍ قدرا}.

وأوصيك بلزوم صلاة ودعاء الاستخارة لله تعالى, واللجوء إلى الله تعالى بالذكر والدعاء: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما}.

أسأل الله تعالى أن يفرج همك، وييسر أمرك، ويرزقك الزوجة الصالحة، والذرية الطيبة، وسعادة الدنيا والآخرة.


اسلام ويب أستشارات طبية
هنا طبيبك
شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق